مقالات

《فتاة البحر 》

Posted on

☆بقلم الكاتبه_هيا هديب الشهراني

كان ياما كان، في سالف العصر والأوان،
فتاة حسناء ترتدي فستانًا أبيض، وتزيّن شعرها الأشقر بطوقٍ صُنع من ورد الياسمين، امتطت صهوة حصانها، وسابقت الريح ذاهبةً لاتجاه البحر، وقفت تتأمّل أمواج البحر؛ فرأتها كصفحات كتاب تلاعب الريح أوراقه، في كل صفحةٍ قصةٌ وعبرةٌ، فخاطبت البحر: احكِ لي ما عندك؟
فأجابها: ماذا تريدين أيتها الحورية؟
ففي جوفي كنوزٌ مخبأةٌ لا يعلم بها إلا خالقي، في كل يومٍ يأتي إليّ العاشق والمهموم والعابد، فأعطي كلًّا منهم دانةً يختلف بريق كل واحدة منها عن الأخرى؛ فالعاشق تزيده أمواجي، وله شوقٌ لمن يحب، ويظل يحادثني عن محبوبته، ويصفها لي، ويخبرني بمدى تعلقه بها، وأمواجي تجدف الحنين داخله، فتنهال عليه أبيات الشعر؛ فينظمها، وأنا أنقّحها له، وأراه كطائر النورس يحلق بجناحيه عاليًا وهو لا يعلم أني أنا القفص الذي سأغلق على أشواقه.
قدمت له نصيحة؛ فقلت: الحب لا يزهر إلا بمشاعر صادقةٍ ترويه.
كن مخلصًا لحبك، واجعل الوفاء هو طريقك لقلب محبوبتك، ولا تترك يدها.. أمسكْ بها، وأكمل الطريق حتى النهاية.
والمهموم يضع يده على خده، ويردد آهات قلبه حسرة على ما فاته، وجراحه قد أدمت قلبه، محاولًا أن يرمي أحزانه في جوفي؛ ليتخلص منها.
فقدمت له دانة من عندي؛ وقلت له: تغاضَ عن كل ما يهمك، واربط جأشك بإيمانك بالله، وطمئن روحك بعظمته، لا تحزن على شيءٍ لم يكتبه الله لك؛ فما فاتك لم يكن ليصيبك، وسيجعل الله بعد عسرٍ يسرًا… تجاوز عن الزلات بقوة حلمك، وبسالة نفسك.
وأرى العابد يقف متأملًا عظمة الخالق وقدرته في خلقة، فالبحر جند من جنود الله ، ويتعجب كيف يحمل هذه السفن وهي كالجبال الصامدة، تحركها الرياح تارة، وتبقيها هامدة تارة أخرى؟!
فيزداد رهبة وخشوعًا ، فأخبرته بأن يدعو الله دائمًا بأن يثبت قلبه على دينه حتى لا تزلّ قدمه، وقلت له: اعلم أن ما أخفيه في جوفي أعظم مما تراه في ظهري، اجعل لك برزخًا يفصل بين الحق والباطل، واشكر الله على نعمه، وكن دائمًا من المتأملين في خلق الله.
وأنتِ أيتها الحسناء: ما حاجتك؟
قالت: ألا تعلم أنك دواءٌ يستطاب بك، ونسيم هوائك يداوي كل علة؟!
أنا أطيل النظر، وأحدق بك كل مرة، آتيك وكأني أول مرة أراك حتى أشفي خوالج نفسي، فأنا أستمع لموجك فتُطرَب روحي، وأرى عظمتك لأسجد شكرًا لربي.
أيها البحر: أقبل عليّ بموجك فقلبي لا يرى منك سوى مياهك الزرقاء، أنا معجبة متيمة بك حتى وإن كنت صامتةً فأنا أمام جمالك أقف عاجزةً عن التعبير، فهل تقبل صداقتي وتعدّ حبي لك جوهرة تضاهي ما في داخلك من كنوز؟
أعدك بأني كل مرة أحضر لزيارتك، وسوف أنظم لك من حروفي عقدًا من اللؤلؤ تزيّنه كلماتي؛ لأعبّر فيه عن حبي لك!.

Most Popular

Copyright © 2019 Alama360. All Right Reserved.