بقلم . شفاء الوهاس
لطالما تساءلت هل يسمعون الاموات مناجاتنا وحديثنا لهم.
بعد وفاة والدي بحوالي الشهر استيقظت صباح وفيني شعور ورغبة بالحديث معه ، وتمنيت ان اتحدث اليه فكان لدي احاديث كثيرة لم اخبره بها وتساءلت لو ذهبت الى قبره واخبرته بما اود اخباره فهل سوف يسمعني ؟ بقيت في فراشي افكر و استعدت شريط حياتنا معاً كان والدي قاسياً وذو هيبة لانستطيع الحديث معه اذا لم يبدأ هو بالكلام معنا ؛ وإلا نظل ملتزمين الصمت في حضرته واذا فكر احدنا ان يخبره بشيء يخصة يظل صامتاً يفكر كيف سوف يحدثه وما نتيجة هذا الحديث ووقعه عليه ، حتى ان اخي قبلها بأيام او بساعات يخبرنا بأن لديه مشكله ! اوخبر يود ان يخبر به والدنا المهيب ..
ويتردد في اخباره ، واذا كانت مشكله يصبح التردد اكثر خيفة ووجل. ولكن اخباره من قبلنا يظل هو الحل الامثل حتى لايصله الخبر من خارج البيت او يراه بعينه اذا كان يخص الممتلكات..
وكبرنا ونحن على هذا الحال من الاحترام والتقدير لوالدي ، احترام مصحوب بالخوف والتذمر احياناً ، وتزوج كل اخواتي ؛
واخواني سافروا لخارج المدينه التي يعيش فيها والدينا ،
للشغل او للدراسه المهم ان يكونوا بعيدين عن سلطة والدنا ويتحرروا ، من النصايح المصحوبه بالاوامر احياناً ، وبقيت انا اخر العنقود وقتها والدي بدأ الشيب يغزوا راسه وبدأت تجاعيد الزمن ترسم خطوطها على ملامحه الجميلة ، كبر والدي وتغير في كل شي تبدلت قوته الى عطف واوامره الى نصائح جميله بلمسة حانية ، وادرك الجميع ذلك التغير الجذري ، واخوتي واخواتي يعيشون بعيداً عنا لانكاد نراهم الا مرة في السنة ، ومرت السنوات بسرعه وتزوجت وذهبت انا ايضاً بقي والديه وحيدين نذهب اليهم في اجازاتنا الرسميه والاعياد، ولان عددنا كثير من اخوان وازواج وغيرهم ، لم نكن نستطيع الانفراد مع والدنا للحديث معه والاستماع له وكان هو قليل الكلام ولكن تبدلت نظرات الصرامة الى نظرات حب ومحاولة قرب منا ، ادرك الجميع ان والدي وصل لثمانين عام ونحل جسدة وبدا يمشي بعكازة ، رغم تغيره الا ان هيبته ظلت في نفوسنا ولم نستطع تغيير نظرتنا له ، بقينا نراه ذو هيبه حتى وان ضغف وشاخ بل زادت هيبته في نفوسنا ، وظل اخوتي بنفس التعامل معه كرجل حازم وذو حكمة ،
الى ان خطرت لي فكرة استطيع ان انتزع صمت والدي واجعله يتحدث الي بلا ملل احظرت قلم ودفتر كبير ، وطلبت منه ان اكتب سيرته الذاتية من بداية حياته الى وقته الحالي ، رفض في بداية الامر ولكني عدت اليه في وقت اخر وطلبت نفس الطلب بطريقة مختلفة ، وقلت له اننا لانعرف اسماء اجدادنا وجداتنا واقاربنا ونريد معرفة تاريخ عائلتنا بالكامل حتى نعرف من يربطنا بهم صلة قرابة فنصله ، ونسأل عنه ، وقلت : له تحدث اليه ولا تذكر لي من حياتك وسيرتك الا ماتريد ذكره ، وصمت قليلاً ثم قال : اذا انتهيت من صلاة العشاء احضري قلمك وتوكلنا على الله فرحت بتجاوبه وموافقته ، كان ذلك عصر يوم الجمعه …
بقيت احسب الوقت وانتظره وكل مارأني احمل ادواتي وانتظره ، يبتسم لي ابتسامة جميلة وكأنه يقول لي سوف تكتبين الى ان تتعبين ، وبعد صلاة المغرب قلت له لاتنسى موعدنا وهز راسه وهو سارح كأنه يستعيد ذكرياته ، ويفكر ماذا سيذكر منها وماذا سوف يخبيه ويجعله في طي النسيان لتظل بينه وبين نفسه للابد …