بقلم : المستشار القانوني
فيصل الخريجي
فايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) يحتل العالم، ويشل أركانه الاقتصادية والاجتماعية، ويقييد حريات البشر؛ الذين تصدوا له باحثين عن مصل النجاة؛ بأطقم طبية مناضلة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من براثنه، وخبراء ومحللون ماليون واقتصاديون يبحثون آليات التصدي لآثاره السلبية على المال والثروة، وقانونيون ضليعون يبحثون في التكييف القانوني لهذه الجائحة هل هي ظروف طارئة أم قوة قاهرة ليتم التعامل مع آثارها ونتائجها على ضوء ذلك.
دارت غالبية الابحاث الاقتصادية والقانونية حول تشخيص الازمة وطرح آليات لتخفيف آثارها، وهنا أجاري زملائي في تلك البحوث المتفانية؛ طارحا مقترح تفعيل القاعدة الشرعية “نظرة الى ميسرة” لتكون نظرية اقتصادية عامة لامتصاص آثار الازمات المالية من هذا النوع؛ من خلال تطبيقها بمفهومها العام والشامل.
أشارك بهذا الاقتراح لأتلافى ألم الشعور بالتقصير والعجز في خدمة مجتمعي ووطني؛ على أمل تبني مراكز الدراسات والبحوث هذا المقترح وتطويره والاستفاضة بشأنه ليكون حلا اقتصاديا إسلاميا يمكن للعالم استخدامه لامتصاص آثار الازمات العالمية، وحفظ الاقتصاد من الانهيار.
قال الله تعالى في سورة البقرة الآية (280): (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ). نزلت الآية الكريمة لمعالجة ربا الجاهلية وتوحشه حتى لا يعصف باقتصاد الدولة الإسلامية الفتيه ويضر برعاياها، وهي آيةٌ تنسجم مع طبيعة الإسلام القائمة على التراحم والتعاضد والأثرة؛ لذا اقترح إطلاق وتفعيل جوهر القاعدة الشرعية “نظرة الى ميسرة” وتجسيدها في مبادرة اقتصادية وطنية شاملة؛ لتجاوز آثار الجائحة بأقل الخسائر، بحيث يتم ما يلي:
1-قيام الوزارات المعنية بتحديد القطاعات والأنشطة المتضررة من الجائحة.
2- تطبيق قاعدة نظرة الى ميسرة على جميع أطراف ومكونات النشاط المتضرر دون استثناء كمنظومة اقتصادية متكاملة، بالنظر الى جميع أطراف المنظومة الاقتصادية على انهم معسرين او عرضة للإعسار ان لم يتم التعاون الجماعي لامتصاص آثار الازمة، بحيث يتم تمديد أجل العقود وعدم فسخها إلا بالتراضي.
3- تكريس فكرة ان جميع أطراف المنظومة الاقتصادية المتضررة هم شركاء في معالجة الضرر ويقع عليهم تحمل جزء من المسؤولية والاضرار.
4-استمرار تحمل برنامج ساند لـ(60%) من أجور العاملين في تلك القطاعات المتضررة.
5-يتحمل صاحب العمل (20%) من أجر عماله الذين تحملهم برنامج ساند.
6-يتحمل العامل (20%) من فقدان أجره لمدة الجائحة.
7- تُلزم البنوك بتأجيل قروض المتضررين التجارية والشخصية بدون فوائد.
8- تأجيل الشُرط والمحاكم إجراءات شكاوى وقضايا الاخلاء التجاري والشخصي في فترة الجائحة؛ بالاستناد الى فعل الفاروق عمر رضي الله عنه في عام الرمادة.
9- إمهال الحكومة للمقاولين في تنفيذ مشاريعها مراعاة للظروف الحالية الناجمة عن الجائحة.
10- تحفيز مراكز التحكيم النظامية والمرخصة لاستقبال قضايا التحكيم بأسعار رمزية لتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية وتخفيف العبء عن المحاكم العامة والحفاظ على ودية العلاقات التجارية وسرعة حسمها.
11- بعد زوال الجائحة لا يتم سداد المستحقات أو المتأخرات جراء الجائحة مباشرة انما يتم جدولتها الى ما بعد ستة أشهر بحد أدنى.
12- إطلاق حملة “تصدقوا خيرٌ لكم” لدعم الدراسات والتجارب الطبية والمختبرية لمواجهة الفيروس.
13- عقد الاتفاقيات التفاهمية بين مؤسسات التمويل المحلية والقطاع الخاص لجدولة الديون وابتكار حلول تموينية قليلة المخاطر.
أملي كبير في مراكز الدراسات والبحوث الوطنية ان تعيد البحث في القواعد والنظريات والأدوات المالية الإسلامية، بنظرة مختلفة، نظرة تتجاوز مفهوم الحلال والحرام، أو الأجر والمثوبة، إلى حلول إدارية ومالية وقانونية تخدم المجتمع الإسلامي.
You must be logged in to post a comment Login
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.