بقلم: هاربريت سينغ، كبير مديري الموارد البشرية الإقليمي، مجموعة فنادق راديسون الشرق الأوسط وأفريقيا
كان عام 2020 ليس كغيره من الأعوام التي سبقته، وذلك بسبب الآثار الذي خلفتها جائحة كوفيد – 19 على أسلوب الحياة وعالم الأعمال في المنطقة والعالم، وهذا ما حدا بالشركات، وبخاصة أقسام الموارد البشرية فيها، للتكيف مع بيئة سريعة التغير ، وطرح مبادرات للتعامل مع الطابع المتغير للأعمال داخليا وخارجيا، والنظر بصورة أكثر مرونة لأوضاع الموظفين ونماذج عمل الموارد البشرية وأهداف تلك الشركات في النهاية. وبالرغم من كل تلك التحديات، فقد أثبت كوفيد – 19 أن كلا من الموظفين والشركات قادرين على تحقيق النمو في ظل الضغوطات التي فرضها الوباء على العالم. بيد أن نجاح تلك الشركات في الإنتقال من مجرد البقاء على قيد الحياة إلى حالة من الإزدهار، دفع بها إلى التركيز على الموارد البشرية وجعلها في مقدمة أولوياتها.
هذا ما كتبته هاربريت سينغ كبير مديري الموارد البشرية الإقليمي بمجموعة فنادق راديسون الشرق الأوسط وأفريقيا، على الرغم من الاعتقاد بأن التحديات التي فرضها وباء كوفيد – 19 على أماكن العمل في الشركات سوف تتلاشى مع مرور الوقت، إلا أن تأثيرها في العقول والأوضاع الحالية سوف يظل ماثلا لفترة قد تطول.، وهذا بالتأكيد سوف يجلب تغيرا على صعيد أماكن العمل واحتياجات الوظفين واستعدادهم لهذه المرحلة أولا وقبل كل شيء. ومع التطور الذي طرأ على عالم التكنولوجيا، باتت أمام الشركات الفرصة لإحداث التحول الرقمي وإعادة النظر في الثقافة السائدة لدى تلك الشركات، والتي تلعب دورا مهما في تشكيل وعي وخبرات موظفيها. إذ أن الانتقال المفاجئ الذي فرضه وباء كوفيد – 19 عليهم، وجعلهم يعملون عن بعد، قد ساهم في خلق قيمة أعلى لأوضاع العمل وبيئتها. فالأمر الذي بدا في السابق على أنه تحول مؤقت قد بات اليوم حلا ملحا ودائما للعديد من الشركات. وعلى الرغم من أن مثل هذا الحل ينطوي على ميزة كبيرة ويتميز بالقوة، إلا أنه جلب العديد من التحديات معه والتي لا بد من مواجهتها من جميع النواحي.
تظهر آخر الإحصائيات أن من الأسباب التي تدفع بالعديد من المدراء نحو عدم الموافقة على عمل موظفيهم عن بعد هو الخوف من استرسالهم مع حالة من الدعة والكسل بسبب غياب الإشراف والرقابة والمتابعة من جانب أولئك المدراء. بيد أن الواقع أثبت عكس ذلك، إذ ثبت بالدليل أن الموظفين الذين يعملون عن بعد يميلون إلى العمل بصورة جدية لشعورهم أن قيامهم بالعمل الرسمي ومهامهم الأسرية كلها تتم تحت سقف واحد، وباتالي، من الصعب عليهم ترجيح كفة عملهم الرسمي على حساب مهامهم الأسرية أو العكس.
على مدى الأشهر السابقة، بدا من الواضح أن الموظفين يتحلون بمرونة عالية عند قيامهم بالأعمال من المنزل، وأنهم في نفس الوقت يحنون لعملهم المكتبي في الوقت ذاته. بينت العديد من الاستطلاعات والتقارير الصادرة عن الشركات العاملة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن ثلاثة أرباع الموظفين العاملين فيها يفضلون الأعمال التي يمكنهم القيام بها عن بعد لأنها تمنحهم المزيد من المرونة والمراوحة مابين عملهم الرسمي وأعمالهم الخاصة. إلا أن أغلبيتهم لم تكن ترى في العمل عن بعد وبدوام كامل حلا على المدى الطويل، مع رغبتهم واستعدادهم لممارسته كالمعتاد انطلاقا من مكاتبهم ليومين أو ثلاثة على الأقل في الأسبوع فقط. وفي جميع الأحوال، الإنسان هو هو في جميع الأحوال؛ كائن إجتماعي يميل إلى الاختلاط مع الآخرين حتى في ظل الحقبة الرقمية وثورة الإتصالات والتواصل وخطر الإصابة بالوباء بسبب الاختلاط. إذ مازال الكثير يرون في الإتصال الشخصي مع الآخرين صحيا ومطلوبا من الناحية النفسية. وعلى الرغم من أن تلك الإستطلاعات والتقارير أكدت أنه في ظل معايير العمل الجديدة التي فرضت على العالم اليوم، فإن الموظفين وطالبي العمل باتوا يتوقعون أن تكون الشركات أكثر انفتاحا على صعيد فكرة وسياسة العمل عن بعد بصورة أعمق مما كان عليه الحال قبل أزمة كوفيد – 19. بيد أن السؤال المطروح الآن: هل يمكن للشركات أن تصغي لأوئك الموظفين وتمنحهم فرصة العمل عن بعد عل المدى الطويل أم لا؟
بالعودة إلى التاريخ، نجد أن العمل عن بعد لم يكون سائدا لدى الشركات العاملة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل أزمة كوفيد – 19، واضطرار الشركات لاتباع سياسات عمل مرنة، وهو أمر بات حاجة ملحة في هذه المرحلة، وبخاصة مع توجه تلك الشركات نحو تبسيط الأعمال وإعطاء صلاحيات أوسع للموظفين لممارسة صلاحياتهم، وكذلك الوقت للتركيز على مهام أكثر أهمية من غيرها، ومساعدتهم في الحد من التوتر السائد عادة في بيئات العمل التقليدية. لا شك في أن وباء كوفيد – 19 قد ترتبت عليه الكثير من الأمور بالنسبة للموظفين الذين وجدوا أنفسهم يعملون بعيدا عن أماكن عملهم المعتادة، ومنها كيفية التعامل مع احتياجاتهم في حالات المرض والحزن والعزلة والقلق والتوتر التي قد تلم بهم وهم بعيدا عن أماكن عملهم، ولهذا نشأت هناك حاجة لمبادرات لتصحيح هذا الوضع والتعامل معه عبر طرق تشجع على المشاركة والاتصال عن بعد، واعتبار هذا الأمر ميزة قيادية من شأنها تعزيز خبرات الموظفين.
لو أخذنا مجال الفندقة كمثال على ما تقدم، سنجد أن العمل عن بعد فيه كان من الأمور النادرة التي لا تحظى إلا بدعم محدود خلال الفترة التي سبقت جائحة كوفيد – 19، ولكن الآن ، باتت هناك حاجة لتدريب العديد من الموظفين على العمل بفعالية في وظائفهم التي يمارسونها عند بعد، مع الإبقاء على المناصب التي تتطلب حضورا شخصيا من جانب الموظف سواء في قطاع الفنادق أو غيره من القطاعات الأخرى. وهذا بالتأكيد يرتب علينا مسؤولية البحث عن طرق لتحديد من يعمل عن بعد ومن يبقى حاضرا بشخصه في بيئة العمل لضمان التوازن المطلوب.
في عالم الأعمال اليوم، علينا أن نتذكر أن السنة الماضية لم تغير فقط من طبيعة الأعمال والنواحي المرتبطة بها، وطريق تأديتها وكيفية إدارة الموظفين، بل ساهمت في تغيير توقعات الموظفين أيضا. ولهذا باتت المسؤولية علينا لمعالجة كل هذه النواحي. وعلى الرغم من أننا نعيش في عالم شديد ” الشخصانية “، فإن مصادر أخبارنا في الصباح هي هي، وبيناتنا لدى شبكة ” نيتفليكس ” هي هي لم تتغير ومبنية على أساس تاريخ مشاهداتنا السابقة لما يعرض على الشبكة، وأن كل ما يحيط بنا هو من نتاج خياراتنا نحن وليس أي أحد آخر. إننا نعيش في عالم انتقل فيه ” تخصيص الخيارات ” من كونها ” خاصة ” إلى ” حالة من المعيارية “، ولم يعد مهما الطريقة التي نؤدي بها عملنا، مادمنها نؤدي هذه العمل في النهاية. ومع أخذ كل هذا بعين الاعتبار، بات على جميع الشركات ومدرائها الصمود أمام تحدي كوفيد – 19 والذي يعد اختبارا لقدراتهم على إدارة دفة الأمور في عالم سريع التغير والتحول.
وانسجاما مع هذا التوجه، أطلقت مجموعة فنادق راديسون مؤخرا ما يسمى ” بيئة العمل المختلطة “؛ وهي عبارة عن نموذج عمل يسمح لأعضاء من فرق العمل لديها باختيار المكان الأنسب لهم للعمل انطلاقا منه، سواء من المنزل أو الفندق أو المكتب. ولدعم نموذج العمل الجديد حرصت مجموعة فنادق راديسون على ضمان إنتاجية الموظفين ومساعدتهم على كيفية التعامل مع بيئة العمل الجديدة مع تحديد الأولويات والتخطيط والتنظيم المتعلق بالإجتماعات الإفتراضية، وكل ذلك عبر برامج التدريب الإفتراضية التي تقدمها أكاديمية راديسون ومنصاتها التعليمية.
لا شك في أن تحديد مستقبل الأعمال والخروج بتشخيص دقيق حولها بات أكثر صعوبة. إلا أن هناك أمرا واضحا، وهو أننا كلنا ندرك أن العمل لن يكون كما هو، حتى ولو لم نعلم كيفية القيام به بصورة مختلفة. وأيضا، ما يمكن أن نقوله بكل ثقة هو أن التحول نحو العمل عن بعد قد أمن فرصة ذهبية لا تتكرر لإعادة رسم واقع جديد وطرق جديدة حول كيفية أداء أعمالنا وإدارة شركاتنا. ومع التفكر في الميزات والعيوب المترتبة على فكرة العمل عن بعد، على الشركات، وقبل كل شيء، إعادة النظر في أوضاعها لتحديد نموذج العمل الأنسب والأكثر استدامة بالنسبة لها..
النهاية –